Sunday, July 20, 2025

الدكتورة-حنان-الشيخ،-رئيسة-قسم-صحة-الم

Share

يسود لدى الناس الكثير من الاعتقادات حول السمنة، لعل أبرزها أن العوامل الوراثية تُعد من أقوى المؤشرات في تحديد ما إذا كان الشخص معرض للإصابة بالسمنة أم لا، وقد يبدو هذا التفسير مريحًا نوعًا ما لأولياء أمور الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد، حيث يبررون الأمر بأنه “ليس ذنبهم، بل أمر مرتبط بجينات أطفالهم”، ولكن هذا الاعتقاد غير دقيق، فالأطفال لا يُولدون بدناء، وإنما تتشكل السمنة لديهم نتيجة للبيئة المحيطة بهم، التي قد تهيئهم للإفراط في تناول الطعام. وهنا يبرز السؤال: هل الأطفال هم من يشترون الطعام ويُعدّون الوجبات؟

عذرًا أيها الآباء، فقد حان الوقت لتحمل مسؤولية محيط خصر لدى أطفالكم. فأنتم أصحاب التأثير الأكبر في تحديد ما إذا كان أطفالكم سيُصابون بزيادة الوزن أو السمنة، وأنتم من يحدد نوعية غذائهم وحجم نشاطهم البدني وعاداتكم اليومية المرتبطة بالأكل والحركة تشكل النموذج الذي سيتبعه أطفالكم.

تشير توقعات حديثة نُشرت في مجلة The Lancet الطبية الرائدة إلى أن 53٪ من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عامًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيعانون من زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2050. وتُعد هذه النسبة مرتفعة مقارنةً بالمعدل العالمي البالغ 30٪، ما يمنح المنطقة امتلاكها للقب “الأطفال الأكثر سمنة في العالم” عن غير استحقاق، متجاوزة بذلك نسبة السمنة في أمريكا الشمالية.

وتبدو التوقعات أكثر سوءًا بالنسبة لعدد من دول الخليج، إذ تتنبأ الدراسة ذاتها في The Lancet بأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت ستشهد مستويات أعلى من عدد الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة بحلول 2050. ففي السعودية وحدها، من المتوقع أن نحو 7 من كل 10 ذكور، وما يقرب من 8 من كل 10 إناث في الفئة العمرية ما بين 5 و14 عامًا، سيعانون من زيادة الوزن أو السمنة.

في المقابل، تُعد الأعباء الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على رعاية الفئات المصابة بالسمنة وزيادة الوزن مذهلة، حيث تشير الأبحاث إلى أن التكاليف الصحية والمجتمعية المرتبطة بالسمنة في السعودية بلغت ما يقارب 227 مليار دولار في عام 2022. ورغم أن مكافحة السمنة تمثل أولوية في سياسات الصحة العامة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، إلا أن ما تستطيع الدولة فعله في هذا الشأن يبقى محدودًا.

من طبيعة الإنسان أن يبحث دائمًا عن أعذار للمشكلات الكبيرة، وذلك من خلال التركيز على عوامل خارجة عن إرادته. وهذا يحدث كثيرًا عند التعامل مع السمنة، وصحيح أن العوامل الوراثية تلعب دورًا. كما لا يمكننا منع أطفالنا من مشاهدة لوحات الإعلانات التي تروّج لأحدث أنواع البرجر ووجبات الدجاج المقلي. وقد يتعرض الأطفال الأكبر سنًا لضغوط من أصدقائهم تدفعهم إلى اتخاذ قرارات غير صحية بشأن الطعام والنشاط البدني، وهناك عوامل أخرى مؤثرة خاصة بمنطقتنا، ومن بينها طبيعة الطقس الذي يصبح حارًا بشكل لا يُطاق في الشرق الأوسط، ما يجعل ممارسة الرياضة في الهواء الطلق أمرًا صعبًا خلال عدة أشهر من العام، وصحيح أنه أصبح لدينا الآن أطعمة مصنّعة أكثر بكثير مما كان عليه الحال قبل 20 عامًا، وغالبًا ما نضطر إلى القيادة لمسافات طويلة، ما يجعلنا نقضي وقتًا طويلًا داخل السيارات.

من طبيعة البشر أيضًا إلقاء مسؤولية المشكلات الكبرى على الآخرين، وخصوصًا على الدول التي ينبغي عليها – كما يُقال – أن تتخذ إجراءات صارمة ضد إعلانات الوجبات السريعة، وتشجيع المدارس على رفع مستويات النشاط البدني، ومنع الوجبات غير الصحية في كافتيريا المدرسة، وغيرها.

قد يكون كل ذلك صحيحًا. لكن، وبغض النظر عن حقيقة أن معظمنا لديه القدرة الكاملة على اختيار ما يأكله ومدى ممارسته للنشاط البدني، إلا أنه لا تزال هناك عوامل عديدة تقع ضمن نطاق سيطرتنا، ومن أبرزها دور الوالدين في تعليم أطفالهم أسس التغذية الصحية وأهمية ممارسة الرياضة في سنواتهم الأولى.

في الواقع، لا شيء قد يؤثر في الطفل الصغير أكثر من سلوك والديه، حيث تُعد السنوات السبع الأولى من عمر الطفل مهمة لترسيخ عادات الأكل الصحية وممارسة الرياضة، إذ تتشكل خلال هذه السنوات مجموعة من العادات التي ترافق الإنسان مدى الحياة.

عندما يُصاب الطفل بزيادة في الوزن أو بالسمنة، يصبح من الصعب جدًا عليه التخلص منها، لدرجة قد يحتاج فيها بعض الأطفال المصابين بالسمنة إلى تدخل جراحي، بينما يتطلب معظمهم علاجًا يمتد لعدة أشهر، وربما لسنوات. ويشكّل ذلك عبئًا نفسيًا وبدنيًا كبيرًا على الطفل والوالدين، فضلًا عن العبء الثقيل على النظام الصحي، لذا تكون الوقاية أفضل بكثير من التدخل العلاجي.

إذا لم يقدّم الآباء لأطفالهم خلال سنواتهم الأولى طعامًا صحيًا فغالبًا لن يحبوه عندما يكبرون. وإذا نشأ الأطفال من دون تعلّم فوائد ومتعة ممارسة الرياضة، فلن تكون لديهم أي علاقة إيجابية مع الرياضة في مرحلة البلوغ. وتشير الدراسات إلى أن الآباء النشطين بدنيًا هم في الغالب من لديهم أطفال أقل عرضة للسمنة.

من المؤسف أن بعض الأطفال الذين يزورون عيادة صحة الأطفال في مركزنا يذكرون إنهم يقضون نحو 8 ساعات يوميًا أمام الشاشات، مع ممارسة القليل من الرياضة وفي بعض الأحيان عدم ممارستها على الإطلاق. كما يقول العديد منهم أنهم يتناولون الشوكولاتة والفشار كوجبة غداء ويشربون أكثر من علبة مشروبات غازية يوميًا ويتناولون الوجبات السريعة بانتظام وجميعها تعد عادات سيئة سترافقهم بكل تأكيد إلى مرحلة البلوغ.

تُنفق الحكومات في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط مليارات الدولارات لمواجهة السمنة. وهناك بالفعل حاجة ماسة لوضع خطة إقليمية لصحة السكان تركز على الوقاية من سمنة الأطفال. ومع ذلك، يمكن القول إن السياسات الحكومية وبرغم فعاليتها لا يمكن أن تضاهي في تأثيرها ما يعلّمه الوالدان لأطفالهما.

لقد حان الوقت لأن يؤدي الآباء دورًا محوريًا في مواجهة سمنة الأطفال، والتوقف عن إلقاء اللوم على عوامل خارجة عن السيطرة والبدء في فعل كل ما بوسعهم لضمان ألا يُصاب أطفالهم بزيادة الوزن. فحجم أزمة السمنة اليوم والتوقعات المقلقة للمستقبل تعني أن الوقت قد حان للتحرّك.

-انتهى-

الدكتورة حنان الشيخ، هي رئيسة قسم صحة المرأة والطفل ورئيسة فريق الاستجابة لحالات الإساءة في مركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي، وتُعد من القيادات الإقليمية البارزة في مجال حماية الطفل.

Print Versions

Read more

Featured